فقهاء من أجل المصلحة !

فقهاء
تكون درجة إحترام الشخص وتقديرة بمدى الأفكار التي تصدر عنه ودرجة ملائمتها ومسايرتها للمنطق، وفي هذا السياق تندرج أزمة الثقة أو عدم الإعتراف بكثير من مواقف (فقهاء) موريتانيا وتعرضهم كنتيجة لذلك للعديد من الإنتقادات من قبل بعض الشباب الطامحين إلى تفكير عقلاني وإعمال للفكر بدل الركون لمواقف وآراء عفى عليها الزمن. لقد وجهت إنتقادات كثيرة وصلت لحد التجريح في حق فقهاء موريتانيا سواء كان تجريحا لفظيا أو معنويا كالسخرية من صورة أحدهم وتشويهها. دوافع كثيرة سآتي على ذكر بعضها دفعت إلى هذا التصرف ، يراها البعض مبررة في حين هي مستهجة من قبل البعض الآخر، وهي موجزة في النقاط:

1- أغلب الفقهاء أو العلماء أو الأئمة محسوبون على النظام الحاكم الذي يعارضه الكثير من الشباب نتيجة الفساد المستشري والظلم والقهر المسلط على المواطنين، وبما أنهم أي الفقهاء  يقفون إلى جانب النظام ويبررون أعماله فهذا عرضهم لنقد شديد.

2- ثارت – ولاتزال- قبل أشهر من الآن إحدى أكثر القضايا تماسا ومباشرة بين مواطني قندهار(إحدى ضواحي نواكشوط الفقيرة)  وبعض الأئمة و الفقهاء، إنها قضية ما بات يعرف بمظلومي قندهار ، تلك القضية التي لم تجد حلا حتى الساعة ، فقد عمد النظام إلى تقسيم قطع أرضية يقطنها بعض من أفقر مواطني نواكشوط إن لم يكن موريتانيا كافة على مجموعة من الفقهاء، والمفارقة أن أحدهم كان وزيرا في تلك الفترة ويدعى ” أحمد ولد النيني” قبل أن تتم إقالته وتعيين تلميذه مكانه. هذه القضية أفرزت مظاهرات أمام وزارة الشؤون الإسلامية ووجهت فيها عبارات جارحة للفقهاء مثل أيها اللصوص والمغتصبين  وعار على رابطة الأئمة إغتصاب أرض الفقراء. هذا الحدث غير المسبوق هزّ صورة هؤلاء الفقهاء كثيرا لدى عامة المواطنين.
قندهار 2

قندهر1

قندهار 4

3- جمود آراءهم وتوجيهاتهم الدينية وعدم مواكبتها للتطور العلمي الحاصل ففي وقت تطورت فيه الفتاوي الفقهية لا يزال أغلبهم يركز على حلق اللحية والمصافحة و كانها إحدى أهم مشاكل موريتانيا بدل توجيه إنتقادهم لمساوئ النظام في خطب الجمعة الفارغة التي تبعث على النوم. وفي نفس السياق تعرض الفيقه حمدا ولد التاه لانتقادات كثيرة ووصفت دعوته لتعدد الزوجات في هذه الفترة الصعبة إقتصاديا بأنها نوع من السباحة عكس التيار وغير موفقة وبلا مبرر إطلاقا. الفقيه حمدا كان قد قال إن تعدد الزوجات يمكن أن يكون حلا في مواجهة نسبة العنوسة المرتفعة.

4- تعيين بعضهم وزراء وظهور بوادر فساد كثيرة في فترة تسييرهم للوزارات عرّضهم للإستهزاء، إذ كيف لفقيه يدّعي العلم أن يسرق أو يفسد، وأبلغ مثال على ذلك هي مشكلة الحجاج الموريتانيين التي تتفجر كل موسم خاصة في فترة الفقيه أحمد ولد النيني، كذلك ممارستهم للأنشطة السياسية والدعاية للنظام عرضهم لإنتقادات هائلة كذلك .

5- أحد أشهر الدعاة الموريتانيين (محمد ولد سيدي يحيى) وصفهم ” بعلماء بَنَافَه ” أي علماء مرق موائد السلطان، على الرغم من أنه لم يسلم هو الآخر من الإنتقاد والسخرية لتشدد مواقفه ورؤيته للأشياء التي تنقسم بالنسبة له بين شيئين حلال و حرام.

6- إحدى أكثر و أقسى أنواع الإنتقاد والسخرية هي تلك التي صدرت من حركة ” إيرا ” الحقوقية خاصة من زعيمها المناضل الحقوقي (بيرام الداه اعبيدي) فقد عمد إلى حرق بعض من الكتب الفقهية التي درسها ويدرسها هؤلاء الفقهاء بل ويعتبرها إحدى أهم الأحداث التي نقلت نضاله إلى العالمية ، وهم بالنسبة له ليسوا إلا ” فقهاء نخاسة ”  يبررون العبودية بأفكارهم وآراءهم الدينية التي صارت متجاوزة. موقف المناضل الحقوقي هذا عرضهم للكثير من الأوصاف الساخرة من قبل مناصريه الذين وصفوهم بالعنصريين والرجعيين  والإستعباديين.

7- يعتبر الإصطفاف السياسي و إنقسامهم إلى طرفين أحدهم مع النظام وآخر مع المعارضة أحد أسباب الإنتقاد فكل طرف ينتقد فقهاء الآخر ، خاصة حزب تواصل صاحب المرجعية الدينية الذي اتهم من قبل النظام بتسخير الدين لخدمة أجندته السياسية. في المحصلة يعتبر فقهاء موريتانيا متخلفين كثيرا عن الركب ويعتمدون على فكر ديني غير مساير للتطورات العالمية المتسارعة وهم بحاجة للإبتعاد عن موائد السلطان لكي يكسبوا أو يسترجعوا بعضا من هيبتهم ووقارهم الذي يفترض أنهم أهل له.

تقرير عالمي : موريتانيا الدولة الأكثر فشلا !

غلاف تقرير صندوق السلام العالمي
غلاف تقرير صندوق السلام العالمي 2014

تستمر المنظمات العالمية المستقلة منها وشبه المستقلة في كشف زيف الإدعاءات التي يتشدق بها النظام الموريتاني فمنذ فترة قريبة تم وضع موريتانيا ضمن أفشل الدول من حيث إقامة المشاريع العامة ففي تقرير من 130 دولة لشركة ( أف أم جلوبال) حلت موريتانيا في المرتبة الرابعة من الأسفل ، وفي تقرير سنة 2013 حول مؤشرالفساد لمنظمة الشفافية الدولية حلت موريتانيا في المرتبة 117 وبمعدل 30 من أصل 100 كمعدل تضعه هذه المنظمة، وإذا ما نظرنا إلى قاعدة البيانات المتوفرة عن موريتانيا سنة 2014 ضمن قاعدة بيانات البنك الدولي المعنونة ب ( ممارسة أنشطة الأعمال في موريتانيا ) سنجد أن موريتانيا انتزعت بجدارة مرتبة 173 على العالم في ذات السنة، مقابل 171 سنة 2013 الشيء الذي يظهر مستوى الفشل والتخبط الذي تعرفه موريتانيا.

وبما أن كل هذه المعطيات تصب في خانة واحدة هي الفشل الذريع  كان من المستحيل أن نتوقع معلومات مغايرة في تقرير صندوق السلام العالمي لسنة 2014  الذي جاءت فيه موريتانيا في المرتبة 28 كإحدى أكثر دول العالم هشاشة ، هذا التقرير الذي يعتمد في معطياته على 12 مؤشرا كانت نتيجتها مجتمعة وضع موريتانيا في هذه المرتبة المتقدمة من الهشاشة.

التقرير اعتمد على مؤشرات بدرجات من 1 إلى 10 والمؤشرات التي تحتل درجات متقدمة أي ( 1،2،3) تدل على مستوى من التحسن والإستقرار على العكس من المؤشرات التي تكون ما بين (9،8،10) فإنها تدل على تدني وفشل هذه الدولة أو تلك.

سأذكر كل المؤشرات لكن في ما يتعلق بموريتانيا فإنني سأذكر أهم هذه المؤشرات والنقاط التي احتلتها موريتانيا ثم أحاول التعليق عليها.

المؤشر الأول : التحديات و الضغوط الديمغرافية، م. 2:  اللجوء والهجرة والنزوج، م.3: التماسك الإجتماعي، م.4: الطيران المدني، م.5: التنمية الإقتصادية غير المتوازنة، م.6: التدهور الإقتصادي، م.7: شرعية النظام، م.8: الخدمات العمومية، م.9: حقوق الإنسان وسيادة القانون، م.10: الإستقرار الأمني، م.11: التنوع النخبوي، م.12: التدخل الخارجي.

كما ذكرت آنفا فإنني سأركز على أهم هذه المؤشرات، و إذا ما انطلقنا من مؤشر ( شرعية النظام)  نجد أنه كان بمعدل 7,4 من أصل 10، وبالعودة إلى طريقة الحساب المعتمدة من قبل الصندوق نجد أن هذا المعدل يعدّ مرتفعا الشيء الذي يعني أن النظام الموريتاني لا شرعية له و أبسط تأثير لذلك هو هذا التصنيف الذي يأثر بشدة على فرص الإستثمار في موريتانيا (دعكم من العبارات الرنانة والفارغة التي يرددها زبانية النظام، مثل الرئيس المنتخب والرئيس المصحح فهي ليست إلى شعارات يخفون خلفها فشلهم ونفاقهم). المؤشر الثاني الذي سنعتمد عليهه هو ( الخدمات العمومية) والتي كان معدلها 8,6 من أصل 10 وهو ما يوضح مستوى التدني الذي يعرفه هذا القطاع و أعتقد أن ليس هناك من يقدر على تقديم أي اعتراض على هذا المؤشر فأن تلبَّى لك خدمة عمومية من حقك المشروع لهو أصعب وأقسى من أي شيء آخر ، ثم إن مستوى الرشوة والفساد المنتشرين يعتبران دليلا على تدني مستوى الخدمات العمومية في هذا البلد المنكوب. أما مؤشر التدهور الإقتصادي فإنه جاء بمعدل ( 7,7 من أصل 10) ، وهذا المعدل يعتبر صحيحا إلى حد بعيد ، فحلول موريتانيا رابعا من الأسفل في ترتيب الدول من حيث إقامة المشاريع العمومية (المذكور آنفا) دليلا واضحا على ذلك، و حالة مختلف القطاعات الإقتصادية جاءت مؤكدة لذلك .  أما مؤشر التنوع النخبوي الذي يمكن أن يحدث تطورا على مختلف المستويات إذا ما قامت النخبة بدورها فإنه كان أحد أفشل المؤشرات فقد كان بمعدل ( 8,5 من أصل 10) ، وليس بعيدا منه مؤشر التدخل الخارجي الذي كان بمعدل ( 8,2 من أصل 10) ولطالما تم التنبيه إلى أن النظام الموريتاني الإنقلابي أضعف من أن تكون له قرارته المستقلة بل إنه يتلقى أوامره من دولة أو دول معروفة للجميع.

و إذا ما أخذنا مؤشر مجموع التظلمات فإننا سنكتشف أن هذا النظام الذي يدوس على القانون والدستور لن يكون معدله إلا (7,2 من أصل 10). إذا، و بغض النظر عن مصداقية هذا التقرير – التي لا أشك فيها- من عدمها إلا أننا قد نتفق على أن المعايير والمؤشرات التي اعتمدها تعتبر عندنا في حالة كارثية وليست هناك صعوبة في إدراك هذا الوضع إذا ما اعتمدنا على المنطق والحكم بتجرد، الشيء الذي سيوصلنا بكل سهولة إلى قناعة تامة أن هذه المعطيات تعبّر بدرجة كبيرة جدا عن واقعنا المُر الذي يحتاج إلى تغيير سريع.

 

أرقام سوداء من موريتانيا 2

sidi-tah

في العادة تنتهز الأنظمة العسكرية والشموولية بصفة عامة والعربية على الخصوص جهل غالبية المواطنين، لتعلن لهم عن أرقام خيالية ، تقول إن تسييرها الإقتصادي قد أنتجها و أن البلاد مقبلة على نهضة اقتصادية غير مسبوقة. هذه الإستيرايجية – إن جازت التسمية – يتبعها النظام الموريتاني ، معلنا في كل مرة سنة عن زيادة في النمو الإقتصادية ، الذي يكذبه الواقع، فالنمو الإقتصادي الذي لا يرافقه تحسن على مستوى دخل الفرد ولا على مستوى الوضعية الإقتصادية بشكل عام لا يعدو كونها هراء يراد به التعمية على الفشل الإتصادي الذي تمثل المعلومات أسفله خير دليل عليه.

كنت قد كتبت في تدوينة سابقة بعنوان (أرقام سوداء من موريتانيا ) معلومات موثقة ومستقات من مراجعها عن حالة التردي التي يعاني منها الإقتصاد الموريتاني ، و تاليا أورد معلومات مشابهة أو أشد سوء عن وضعية الإقتصاد الموريتاني، هي المعلومات ستقات من قاعدة بيانات مجموعة البنك الدولي والتي تحمل عنوان ( ممارسة أنشطة الأعمال في موريتانيا) و فيما يلي ترتيب تلك المعلومات التي تقارن بين سنتي 2013 و 2014 ومدى التطور والإنخفاض الذي حدث خلالهما.

وقد حلت موريتانيا في ترتيب أنشطة الأعمال لسنة 2014 في مرتبة 173 في حين كانت في المرتبة 171 لذات المؤشر سنة 2013، أي بانخفاض درجتين (معدل التغير).

كل هذه المعلومات تعبر عن مقارنة بين سنتي 2013- 2014.

– المرتبة 173 على العالم من حيث ” بدأ المشاريع”

– المرتبة 123 على العالم من حيث سرعة استخراج تراخيص البناء (تراجع 8 درجات)

– المرتبة 124 على العالم من حيث الحصول على الكهرباء (تراجع درجتين)، والغريب في الأمر أننا بصدد تصدير الكهرباء لدولة السنغال ونحن نعيش وضعية مزرية .

– المرتبة 170 من حيث الحصول على الإئتمان ” حصول الأفراد على القروض” (تراجع 3 درجات) ، المصارف التقليدية الموجودة عائلية في مجملها ولا تقدم قروضا للأفراد بالشكل الذي يفترض أنها تقوم به، علما أن هذا هو دورها الطبيعي.

– المرتبة 147 على العالم من حيث حماية المستثمرين ، الإستثمار في موريتانيا يعاني من ويلات كثيرة ، فمعروف أن رأس المال جبان ، أي لا يستقر في الدول التي تشهد انقلابات  (الصفة المميزة لموريتانيا) ولا الدول التي تعرف نظام قضائي غير مستقر، صفة أخرى من صفات موريتانيا، فقبل سنتين أقدم الجنرال عزيز على إقالة السيد ولد الغيلاني ـ رئيس المحكمة العليا ، تحديدا يوم 24/ 05/2012(مدونة التاسفرة) و ينص  الدستور الموريتاني المعدل 2012في المادة 89 جديدة التي جاءت مكررة للمادة 89 قديمة ، على أن ” … السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ” ، إذا من هذا المنطلق سيفكر المستثمرون كثيرا قبل دخول السوق الموريتانية.

– المرتبة 181 على العالم من حيث تأدية الضرائب، العمود الفقري للميزانية الموريتانية، ويظهر التساهل الشديد من النظام في فرض القوانية تخلف الكثير من المؤسسات خاصة المقربة من النظام تأدية هذا الواجب، بل ويستخدم الجنرال عزيز هذا الخلل للضغط على خصومه.

– المرتبة 152 على العالم من حيث التجارة عبر الحدود

– المرتبة 189 على العالم من حيث تسوية حالات الإعسار (تصفية الأنشطة التجارية، إشهار الإفلاس، استرداد الديون من المدينين) (جامدة).

تلكم هي موريتانيا التي يفتخر بها العسكر

ماذا قدم لنا الوطن لنتمسك به ؟

صورة من مؤتمر حركة افلام

موريتانيا ذلك البلد المليئ بالتناقضات، ذلك البلد الغارق في التخلف والعنصرية والفساد، ذلكم ببساطة شديدة أقل ما يمكن أن يوصف به هذا البلد المثخن بجراح الماضي البعيد والقريب، فموريتانيا التي عرفت أحكاما عسكرية متعاقبة عجزت لحد الساعة عن إيجاد قاعدة مشتركة ، صلبة ومتينة تستطيع فئات هذا الشعب اتخاذها مرجعية تتكاتف حولها، فلا يخفى على أي كان ملاحظة أن غالبية  “عنصر البيظان” (غير المتعلم وبعض المتعلمين) يرى أن الزنوج ليسوا إلا دخلاء على هذه الأرض وينبغي إعادتهم من حيث أتوا، لن تجادلني أيها القارئ الكريم، فهذا واقع بالنسبة للكثير من الموريتانيين و إن كان يحاول إخفاءه بعبارات رنانة سرعان ما تنكشف عند أو حدث مثير على مستوى البنية الإجتماعية. ثم إن  الفئات الزنجية على اختلافها منطوية على نفسها بدرجة معينة وترى في ” البيظان ” ذلك الشيطان الذي لا يهمه إلا نفسه ويحاول بشتى الطرق إقصائهم مما يعتبرونه دولتهم ووطنهم الذي ليس لهم سواه ، أما ” لحراطين”  فيحاولون الوقوف على الحياد في هذا الصراع البارد، لكن الواقع يجعلهم طرفا من حيث لا يشعرون، طرفا لأنهم يرون أنفسهم غير ممثلين في هذا البلد وبالتالي سيجدون أنفسهم بحاجة لإثبات موريتانيتهم عطفا على كونهم صاروا يسعون لتفرقة البلد وتفتيته بمجرد أنهم طالبوا بما يرون أنه حقهم المشروع في هذا البلد المحتكر( لن أخوض في هذا الموضع لأنه خارج السياق الآن)، و لن أدخل في نقاش نقطة ثانوية بالنسبة لي وهي ” عروبة لحراطين من عدمها ” لأنني أرى أن الأولى إثبات موريتانيتنا جميعا ثم نفكر بعد ذلك في الإنتماء الخارجي.

ما أثار هذا النقاش كله هو تصريح ” حركة افلام ” بضرورة وجود حكم ذاتي – و ليس انفصال كما يُتدال – في الجنوب الموريتاني، دعوني أولا قبل الخوض في هذا النقطة أقول إن هذا المطلب مرفوض جملة وتفصيلا وليس مطروحا حتى للنقاش، لكن ردة الفعل المبالغ فيها حد السذاجة التي جُوبه بها هذا المطلب تعبر عن عنصرية دفينة ومتجذرة ، فطلب ” افلام ” هذا على لا واقعيته، يمكن أن يُرد عليه بهدوء وروية، ثم ألسنا أبناء وطن واحد؟ إذا ألا يتطلب هذا نقاشا بيننا حتى نثبت لبعضنا صوابية أو خطأ ما ذهب إليه، أما أن نطالب فورا بإقصائه وطرده من بلده فذلك تهور وإقصاء غير مقبول بتاتا.

لكن دعوني أتسائل معكم ، لماذا تطلب حركة ” افلام ” حكما ذاتيا في الجنوب ؟ أليس لشعورهم بالغبن وبالتهميش ؟ أليس لأنهم لا يرون أنفسهم من هذا البلد ؟ أليس لأنهم مطلوب منهم – وهنا أعني فئات الزنوج جميعا والتي أجزم أن الكثير من أفرادها يوافقون على طلب افلام هذا – إثبات موريتانيتهم في كل مرة ؟ ألا ننظر إلى أحدهم في كل مرة ونقول – بهمس – ما ذا يفعل هذا السينغالي هنا؟ لم لا يذهب إلى وطنه؟ ، لنتعامل بصراحة ونفهم أن هذا الوطن الجريح للجميع ولا يحاول بعضنا إقصاء الآخر بحجج ثبت خطأها وعدم إمكانية تطبيقها.

ولنفهم أن مشكلتنا الأساسية مع العسكر وحساباته الخاطئة التي يحاول بها الإمساك بيد من حديد بهذا البلد، وهم أصل الداء الذي يجب استهدافه مباشرة، هذا فقط إن كنا نريد بلدا متصالحا مع ذاته ، وللتذكير فقط وللتأكيد أيضا، أقول إن كل هذه الحساسيات أصلها العسكر وليس غيره، فلنتكاتف لإزالته أولا، ولنتخلى عن نظرة الريبة تلك التي ننظر بها لبعضنا البعض.

هنا قبل أن أختم ينبغي أن أشير إلى أن خطوة رئيس حزب تواصل السيد محمد جميل منصور تعد خطوة جريئة وفي محلها ومن بين ما رد به على منتقديه ( إنه من المهم أن نفهم أنه ينبغي أن نستمع إلى الجميع و أن يسع الحوار الجميع فالإلغاء مفسدة مطلقة و قد يكون بعض دعاته أول ضحاياه عند التدقيق ) ، فالإنفتاح على طيف أو فئة من فئات الشعب يعد مسألة في غاية الأهمية وتبعث على التقارب والتفاهم ، وحبذا لو فهم الكثر من المواطنين أن الأمور تحل بالحوار والتفاهم وليس بالإقصاء والتخوين ، ذينك الإتهامين الجاهزين دائما عند الغوغاء الذين لا يملكون حججا قادرة على إثبات آرائهم، كما أن خطوة حزب اتحاد قوى التقدم الجريئة هي الأخرى تعبر عن نضج سياسي ونظرة عميقة  لمستقبل هذا البلد، أما التهرب والتنديد تماشيا مع ما يريده العامة فذلك تخاذل وتراجع في وقت التقدم والجهر بالحقيقة.

الدور الذي تلعبه القبيلة في موريتانيا

منذ أشهر مضت حدثت مشادة كلامية بين مواطنين بسبب قطعة أرضية في إحدي مقاطعات العاصمة نواكشوط، ونتيجة لغياب الدولة كسلطة رادعة، تطورت هذه المشادة إلى مستوى أعلى، فما كان من طرفي النزاع إلا أن استعانا بقبيلتيهما، فازدادت المشكلة تطورا حتى وصلت لحد الإستعداد للصراع، فحشدت كلٌ منهما أفرادها، فكان الشخص يأتي من أقصى نقطة في الوطن شرقا بهدف مناصرة قريبه، بينما تجتهد القبيلة الأخرى على إعلام كل ما تستطيع من أفرادها، قبل أن يتم حل الصراع بطرق ودية، هذه الحادثة التي ليست إلا مثالا بسيطا على عديد الأحداث المماثلة تكشف عن هشاشة كبيرة في بنية الدولة الموريتانية، فبدلا من توجه المواطنين إلى السلطات المعنية لحل المشكلة ، لجئا إلى قبيلتيهما لتأكدهما أن الدولة لن تتمكن من ذلك، بل المفارقة العجيبة أن السلطات المعنية ذاتها كانت هي سبب النزاع بين هذين المواطنَيْنِ.

لكن تجليات سطوة القبيلة لا تتمثل في هذا المشهد البائس وحده، بل هناك الكثير من الحالات التي يتجسد فيها التدخل السافر للقبيلة في قرارات الحكومات المختلفة، والتي تكون غالبا مزيجا من أشخاص يعينهم جنرالات أو رجال أعمال، لتمرير أعمالهم عبر المصالح الحكومية، و وزراء ومدراء آخرين يتم تعيينهم تلبية لرغبة زعماء العشائر، هكذا تتم تركيبة الحكومات الموريتانية المختلفة، أما الحديث عن الشخص المناسب في المكان المناسب فلا تعدو كونها نكتة في قاموس الأنظمة الإنقلابية المتعاقبة.

وفيما يلي مجموعة من النقاط التي يظهر من خلالها دور القبيلة في الدولة الموريتانية.

 

– تمنع تطبيق القوانين

– عن طريقها يتم تعيين أشخاص في مناصب لا يستحقونها

– تمنع من معاقبة المجرمين ذوي المكانة في القبيلة

– تطلق سراح المذنبين بمجرد أن يسجنوا في حالة ما إذا سجنوا دون علمها

– تشجيع انتهاك الأعراض، بتوفير الملاذ للمغتصبين وتبرئتهم

– منع الفقراء من الحصول على أراض للإستغلال ( الأراضي الزراعية التي تدعي القبيلة ملكيتها)

– تدفع الضحية عادة للإذلال والمهانة عن طريق ما يعرف باتفاق ودي بين القبيلتين

– لطغيان مفهوم القبيلة يستحيل عليك التعارف مع شخص بشكل طبيعي وتفقد قيمتك عنده إذا رفضت التصريح بقبيلتك.

– تصر السلطات الأمنية في حالة اعتقالك على سؤالك عن قبيلتك وفي حال امتناعك يتم التنكيل بك.

– إقامة تحالفات خاصة في القرى والمدن الداخلية تكون عادة وقودا للصراعات وذلك على أتفه الأسباب متحدين بذلك هيبة الدولة.

– تنمية النزعة العنصرية والطائفية من خلال ما تمثله من طبقية وتراتبية في بنيانها المشئوم.

– تقسيم المجتمع بشكل يزرع التفاوت مما يناهض الدستور و حقوق الإنسان.

– إعاقة تطور الأداء العام للدولة وهذا ما يتجلى في موريتانيا التي لا تزال تشهد صراعات و حساسيات عرقية وشرائحية لا تنتهي.

تعريــــــــب!

أحداث كثيرة متداخلة في تاريخ الدولة الموريتانية الحديث ، أحداث تبعث على التفكير في مسبباتها ومآلاتها، فقد حدثت صراعات أيديلوجية كثيرة بين الفرنكفونيين والقوميين، أنتجت هذه الصراعات نظاما تعليميا فاشلا بكل ما للكلمة من معنى، نظاما هجينا ، مختلطا بين اللغة العربية والفرنسية، قبل أن يتحول في الفترة الأخيرة (في ما يعرف بإصلاح التعليم ) إلى نظام تعليمي شبه فرنسي، لكن الكارثة أن الطاقم التدريسي ليس على مستوى من الكفاءة بحيث يتقنون مهمتهم التعليمية.

ومن نتائج هذا النظام أن ضاع الطلاب فأصبحوا لا هم مفرنسين ولا هم أتقنوا العربية وبالتالي هم ضحية نتيجة للتخبط في صياغة برنامج تعليمي سليم يقوم على أساسات سليمة. كما أن سبب الحساسية المستمر بين العرب والزنوج يعود إلى اللغة أساسا، ففي لقاء سابق مع شاعر يدعى ” جبريل هامي لي ”  من (الولوف) إحدى الأقليات الموريتانية قال فيه  إن << سبب المشاكل بين “الزنوج” و”البيظان” هو فرض اللغة العربية دون تشاور >> وعليه يتضح عمق مشكل اللغة الذي نعاني منه في موريتانيا.

و منذ أيام قليلة مضت أقدم الجيش على تعريب مراسلاتها وكشوفاته، خطوة نالت إعجاب العديد من موالي النظام ومتزلفيه، لكن أهم تفسير يمكن استنتاجه خاصة مع الإشارة إلى الحساسية التي يتحدث عنها البعض دائما داخل الجيش نفسه عن الرتب والمناصب التي يحظى بها الزنوج ، إذ يمكن تفسير هذه الخطوة على أنها إقصاء لهؤلاء الزنوج الذين طالما اعتبروا اللغة العربية تهديدا لهم ولمستقبلهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، بل لطالما كان موضوع نقاش مستفيض بين الموريتانيين هو تعريب الإدارة، فأجيال كثيرة من الخريجين تجد نفسها في تناقض صارخ ، فتعليمهم ولغة الإدارة مختلفان مما يضطرهم إلى الإقصاء من الولوج للوظائف ، كما أن الدولة نفسها تبذل أموالا طائة من أجلة إعادة تدريس موظفيها اللغة الفرنسية في معاهد خاصة، كل هذه المطبات كان يمكن تجاوزها بإرساء نظام تعليم واضح، فإما أن يكون تعليما فرانكوفونيا و إما يكون عربيا حتى نرتاح من هذا التناقض الذي يتضرر منه المواطنون أنفسهم الذين يجدون أنفسهم أمام إدارة لا يفهمون شيئا من خطاباتها الخاصة بهم. وتبقى كل هذه المشاكل من إنتاج قادة الجيش الذي لا يجيدون إلا الإنقلابات وزرع المشاكل بين فئات الشعب حتى يتسنى لهم حكمه تماشيا مع المثل القائل << فرق تسد>>.

فيروسات فتاكة لا جماعات إسلامية!

تكاد لا تنظر إلى زاوية من زوايا الوطن العربي إلا و تجد فيها تطرفا أو إرهابا – كما يحلو للبعض- ، فلتبدأ من اليمن شرقا إلى موريتانيا غربا ستحصى عدد لا ينتهي من الجماعات الإرهابية الهمجية، كلها تشترك في عداوتها للإنسانية وتلذذها اللامحدود بهدر الدم بحجج دينية أبعد ما تكون عن الحقيقة حسب رأي رجال الدين أصحاب الشأن، الضالعين فيه باقتدار، ففي اليمن توجد القاعدة ، ثم الحوثيين على اختلافهما، ثم القاعدة بدرجة أقل في مملكة آل سعود القمعية، مرورا بسورية والعراق معقل التطرف والإرهاب بلا منازع، وصولا لشمال إفريقيا ، ليبيا وتونس ثم موريتانيا. Continue reading فيروسات فتاكة لا جماعات إسلامية!

عقلية رجعية لصحفي شاب

قلم

 

ليس هناك شك في أهمية الدور الذي يلعبه الصحفي في العملية التنويرية خصوصا في ما يتعلق بكشف الحقيقة ، خاصة في مجتمع منغلق، تقليدي، بائس، يتطور، لكن في الإتجاه الخاطئ مثل المجتمع الموريتاني، لكن الأدهي أن يكون الصحفي هو ذاته من يساهم في الدفع إلى ذلك الإتجاه الخاطئ، شيء مقرف! أليس كذلك ؟

أذكر أني مرة كنت ضمن مجموعة من الأصدقاء نناقش إحدى المعضلات الإجتماعية على كثرتها  وهي ” علاقة القبيلة بالدولة ” أية علاقة يمكن أن تجمع بينهما؟ هل هي علاقة توازي أم علاقة تصادم ؟، وقضايا أخرى مثل ” علاقة رجال الدين بالسلطة والدور الروحي التركيعي الترهيبي الذي يمارسونه على الشعب ليبقى خاضعا خانعا لنظام الجنرال الإنقلابي ، كان ساعتها ضمن الحضور شاب صحفي ، لم أكن أعرفه جيدا، لكنني من شكله بدوت غير مرتاح له ، على أني أفضل أن أحكم عليه بعد أن يتحدث، وصل النقاش لمرحلة متقدمة ، إعتبرت حينها ألا علاقة البتة يمكن أن تجمع هذين النقيضين إذ أن القبيلة ضد الدولة بالنسبة لي وما يميز موريتانيا أن الدولة لا تزال تعيش في ظل القبيلة ، لكن هذا الصحفي انفجر غضبا حينما ذكرت قبيلته بالإسم وقال:

هذه أمور يجب ألا تناقش القبيلة سند للدولة تساعدها في كثير من النواحي و أنا لن  أستمر جالسا في مجالس تخوض في هذه الأمور التي تعتبر

 خط أحمر بالنسبة لي

لم يبد ذلك الأمر مشجعا من صحفي شاب ينبغي أن يكون أول من يثور على القيود الإجتماعية البائدة والمخيف أن أمثاله كثر للغاية ، يعني أنهم يحملون صفة ” صحفي” . مواقف أخرى كثيرة مشابهة حدثت، فحين الحديث عن المساواة بين الجنسين يبرز لك صحفيين شباب تحسبهم لمواقفهم من مخلفات العصور الوسطى، أما أن تتحدث عن الدور السلبي الذي يقوم به علماء السلطان فأنت تلقي بنفسك إلى التهلكة دون شك. يعزي الكثيرون – أنا منهم –  هذه المواقف الغريبة إلى ميوعة الحقل الإعلامي الذي صار يعج بالكثير ممن يسيئون للصحافة نفسها، فلا يُستغرب أن تسمع عن صحيفة فلان من القبيلة الفلانية وموقع علان  أو صحيفة الأسرة كذا أو القبيلة كذا، ببساطة فقد كل شيء جوهره وبقيت القشور فقط في مشهد ينم عن بؤس لا محدود.

شعب يهوى الذلّ!

cropped-123.jpg

 

يكاد يكون المجتمع الموريتاني الوحيد الذي يتميز ببعض الصفات المحيرة ومن بين هذه الصفات التملق السياسي أو الجري خلف البزات الداكنة للعسكر الإنقلابيين.

شهدت موريتانيا منذ 1978 العديد من الإنقلابات حتى باتت تشكل رقما قياسيا سيكون من الصعب تجاوزه قريبا خصوصا مع إمكانية تعزيز هذا الرقم، هذه الإنقلابات رافقها ولا يزال نوع من التملق يندى له الجبين بل ويضعك في حيرة من أمرك بحيث لا تكاد تفقه شيئا، فكل انقلاب ترافقه جوقة من المنافقين الذين ينبرون دفاعا عنه ، تبريرا له داخيا وخارجيا، والحقيقة أنهم في كل مرة يعزفون على نفس الوتر ” الفساد، مكافحة الفقر ، تحسين الظروف الإجتماعية، زيادرة الرواتب “، فيذوب المواطنون المطحونون في ظل هذه الوعود الخادعة.

يقول أحد الصحفيين في مقابلة تلفزيونة عن ما يسمونه ” المؤمورية الأولى للجنرال ” ( إن ما تحقق في موريتانيا منذ 2009 كان بداية التنمية الحقيقية و ما حدث منذ الإستقلال إلى اليوم لم يكن إلا نوعا من العشوائية والفوضى ولم تكن هناك تنمية حقيقية) والكارثة أن تصريح هذا  الصحفي – إن جازت تسميته بهذا الإسم – حقيقة لا مراء فيها ، لكن ليس بالمفهوم الذي يقصده هو إطلاقا ، فقبل أيام قليلة وفي تقرير لشركة  ” أف أم جلوبال ” حلت موريتانيا في المرتبة الرابعة من الأسفل من حيث إقامة المشاريع من بين 130 دولة حول العالم ، إذا هذا دليل واضح على عدم دقة كلام هذا ” الصحفي ” بالمعنى الذي يقصده، أي أن نظام الجنرال أحدث تنمية في البلد، والحقيقة التي لم يقصدها هي أن موريتانيا وبفعل الأنظمة العسكرية الإنقلابية ظلت تتخبط من برنامج إلى آخر ومن خطة تنموية إلى أخرى دون أدنى نتيجة، وإذا ما قارنت موريتانيا بدول الجوار ” المقارنة التي يعشقها زبانية النظام ” ستجد فرقا شاسعا جدا وفي مختلف المجالات، فلا البنى التحتية قابلة للمقارنة ، جسور و”كباري” وسكك حديد في دول الجوار وبالمقابل نسير نحن على طرق ضيقة ومليئة بالحفر ، أما الحديث عن الجسور و”الكباري” فهو من باب الأحلام، هذا من جهة.

من ناحية أخرى نحن نبعث بمرضانا يوميا إلى المغرب – التي لا تدخل في المقارنة معنا إطلاقا – وإلى السنغال التي يدخلها أتباع النظام في دول الجوار القابلة للمقارنة ولكنهم خاسرون بطبيعة الحال، التعليم أيضا لا يقل فداحة من بقية القطاعات فنسبة النجاح في الباكلوريا بلغت 6% في حين كانت في مالي والسنغال على التوالي 16,24% و 31,3% ، أي حجة بعد هذه يستطيع منافقو النظام التحجج بها إلا كونهم جبلوا على شهادة الزور ومحاولة تلميع نظام انقلابي عصيٌّ على التلميع، نظام يستمر في التلذذ بهوايته المعتادة في تركيع المواطنين وبمختلف درجات تعليمهم، فلقد صرح الجنرال محمد ولد عبد العزيز مرة أن على الشباب الموريتاني التوجه إلى المدارس المهنية والتخلي عن التخصصات الأدبية التي لا فائدة فيها ، والنتيجة أن شعراء و أدباء ومثقفين تساقطوا على قصعة الجنرال كتساقط الذباب على الجيفة المتحللة في تعبير صارخ عن موت الضمير وانعدام الكرامة إلى غير رجعة والكارثة الحقيقية أن رأس النظام لا يملك من الشهادات التعليمية إلا ما يملكه أميٌّ في أرذل العمر من أدغال إفريقيا الإستوائية.

إذا والحالة هذه مالذي يدفع هؤلاء المواطنون الذين يعيشون المآسي والويلات إلى التملق لنظام يسومهم العذاب والفقر الممنهج، أليست هذه مسألة تدفع للحيرة؟ ، شعب بلا مستشفيات وبلا بنى تحتية وبلا تعليم وبلا صرف صحي و بلا نظام قضائي مستقل وبلا حاجات كثيرة يصعب حصرها ومع ذلك يستمر راكعا! إلى متى هذا الخنوع المخجل ؟

من ناحية أخرى تستمر الآلة الإعلامية التقليدية في تخدير المواطنين الذين ترتفع فيهم الأمية بشكل مخيف حيث تشير تقديرات اليونسكو إلى بلوغها60% ويزيد هذه النسبة كارثية كون من يوصفون ” بالمثقفين ” لا يشكلون قدوة يحتذى بها ، بل هم المتربعون دوما في الشاشات الصغيرة لمحاولة رسم صورة وردية لأنظمة دأبت على توزيع الوعود الخاوية، فإلى متى تستمر هذه الكارثة العسكرية جاثمة على صدور هذا الشعب المقهور المتملق ؟

أرقام سوداء من موريتانيا

sidi-tah

قال سيدي ولد التاه وزير إقتصاد النظام الموريتاني – قبل أيام قليلة –  إن عدد سكان موريتانيا، بمن فيهم الأجانب، بلغ ثلاثة ملايين و537 نسمة حسب إحصاء السكان الذي أُجري في الفترة من 25 مارس إلى 18 إبريل 2013، في حين كانت التقديرات المتداولة تقدر عدد السكان بحوالي أربعة ملايين نسمة ، هذه الأرقام لاشك أن لها دلالات عديدة ، فبالنظر إلى الثروة السمكية الهائلة بالإضافة إلى الثروة المعدنية التي تتولى استخراجها الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) وشركات أجنبية أخرى تستخرج معادن شتى مثل الذهب والنحاس ، كل هذه الثروات إذا ما قُورنت بعدد السكان الضئيل جدا لابد أن يتسائل المرء عن أي منحى تأخذه عائدات هذه الثروة في ظل وجود بنية تحتية متهالكة ، فلا القطاع الصحي يفي بالطلب حيث المستشفيات في حالات يرثى لها كما أن قطاع التعليم  هو الآخر بائس إلى أقصى الحدود فالمدارس متهالكة وبلا أثاث وأغلب تلاميذها بلا مقاعد ناهيك عن وجود مدارس تُأوي العديد من تلاميذ القرى ، وسيكون غنيا عن القول الخوض في وضع التعليم العالي المشين.

تبدأ أرقام موريتانيا السوداء من مستوى البطالة الذي قال وزير الإقتصاد – زورا –  إنه في حدود 10% معتمدا طبعا على أرقامه الرسمية ، – لكن انظر كتاب الإقتصاد الموريتاني لتعرف كيف يتم تزوير الأرقام الرسمية –  في حين يقدره الخبراء بحوالي 30% من إجمالي القوة النشطة القادرة على العمل، وهو ما يعكس فشل السياسة الإقتصادية المتبعة في هذا الصدد ، و في تقرير سنة 2013 حول مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية فإن موريتانيا وصلت لترتيب 117 وبمعدل 30 من أصل 100، هذا إن دل على شيء إنما يعطي صورة واضحة عن مستوى الفساد الذي ينخر جسم الدولة الموريتانية بفعل أنظمة عسكرية متعاقبة يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لها مصلحة الأقارب والقبيلة والجهة على حساب غالبية الشعب المطحون مقابل وعود عرقوبية لاتنتهي، من جهة أخرى أظهر تقرير – من 130 دولة – حديث لشركة “إف إم جلوبال- FM Global” للتأمين والحماية من المخاطر، إحتلال موريتانيا للرتبة 4 من الأسفل من حيث أسوأ الدول في إقامة المشاريع.

من ناحية أخرى أظهرت تقرير تقييمي صادر 2013 عن برامج مكافحة الفقر بمراحلها المختلفة نتائج عكس المتوقع منها وهو ما يعكس عدم نجاعتها نتيجة عدم تطبيق البرامج في المناطق المتضررة بالدرجة الأولى وهو ما يعكس وجود الفساد والمحاباة على حساب الفقراء، فقد أظهر التقرير أن عدد الفقراء يتزايد من فترة لأخرى حيث كان في حدود مليون ومائتي ألف سنة 2000 ليرتفع إلى مليون وثلاثمائة ألف تقريبا سنة 2004 في حين كان العدد مليون وثلاثمائة وثمانية وعشرون ألف 2010 ، وحسب التوقعات فإن العدد سينخفض لحدود تسعمائة و أربعة وعشرون ألف بحدود 2015 وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل التزايد المستمر للأسعار مما ينجم عنه زيادة عدد الفقراء والمشردين، ومما يوحي أيضا بفشل هذا التوقع أن كل الأرقام السابقة تم توقع نتائج مغايرة لها إلا أنها في النهاية ظهرت أرقام سوداء ولن يكون توقع 2015 إلا نسخة منها خاصة أنها نفس السلسلة من البرامج الفاشلة.

وإذا ما تناولنا الجانب المتعلق بالديون على موريتانيا فإننا سنجد أن الإلتزامات الخارجية على موريتانيا تصل إلى 196,5 مليار أوقية سنة 2013 بدل 192,2 سنة 2012، أما الديون الداخلية فكانت 520,3 مليار سنة 2013 بدل 458,9 سنة 2012، والضحية في هذا كله هم الأجيال القادمة التي ستجد مليارات الأوقية التي تثقل كاهل الدولة الموريتانية لا لشيء سوى أن مجموعة من المفسدين تتلاعب في مقدرات هذا البلد دون رقيب أو حسيب.

من ناحية أخرى يستمر الجنرال محمد ولد عبد العزيز في الإفتخار بإحتياطي مصرفه المركزي الذي قال إنه يمتلك ما يغطي 7,2 شهر من الواردات أي إنه يمتلك احتياطيات نقدية تقدر ب 995,6 مليون دولار ، لكن المواطن العادي الذي يسمع دوريا هذه الأرقام سيجد نفسه مضطرا للسؤال حول أهمية هذه الأموال ما دامت لا تستخدم في تحسين معيشته اليومية التي تشهد تطورا مخيفا يوميا ، كما أن عملته ( الأوقية ) تسير يوميا إلى الهاوية مقابل العملات الأجنبية على الرغم من أن ذلك يحكمه عوامل عديدة إلا أن توفر هذا المبلغ كان من المفروض أن يشكل سندا لقيمة الأوقية مقابل هذه العملات.

إذا بالرجوع إلى كل تلك الأرقام المؤلمة و الكارثية في ظل وجود مقومات إقتصادية هائلة لا يمكن أن يعزى كل هذا الفشل إلا إلى سوء التسيير وسوء الحكامة الإقتصادية بشكل عام ، الشيء الذي سيُبقي موريتانيا في الحضيض خصوصا في ظل تعاقب الأنظمة العسكرية القبلية التي لا يهمها بالدرجة الأولى إلا مصلحتها.