عقلية رجعية لصحفي شاب

قلم

 

ليس هناك شك في أهمية الدور الذي يلعبه الصحفي في العملية التنويرية خصوصا في ما يتعلق بكشف الحقيقة ، خاصة في مجتمع منغلق، تقليدي، بائس، يتطور، لكن في الإتجاه الخاطئ مثل المجتمع الموريتاني، لكن الأدهي أن يكون الصحفي هو ذاته من يساهم في الدفع إلى ذلك الإتجاه الخاطئ، شيء مقرف! أليس كذلك ؟

أذكر أني مرة كنت ضمن مجموعة من الأصدقاء نناقش إحدى المعضلات الإجتماعية على كثرتها  وهي ” علاقة القبيلة بالدولة ” أية علاقة يمكن أن تجمع بينهما؟ هل هي علاقة توازي أم علاقة تصادم ؟، وقضايا أخرى مثل ” علاقة رجال الدين بالسلطة والدور الروحي التركيعي الترهيبي الذي يمارسونه على الشعب ليبقى خاضعا خانعا لنظام الجنرال الإنقلابي ، كان ساعتها ضمن الحضور شاب صحفي ، لم أكن أعرفه جيدا، لكنني من شكله بدوت غير مرتاح له ، على أني أفضل أن أحكم عليه بعد أن يتحدث، وصل النقاش لمرحلة متقدمة ، إعتبرت حينها ألا علاقة البتة يمكن أن تجمع هذين النقيضين إذ أن القبيلة ضد الدولة بالنسبة لي وما يميز موريتانيا أن الدولة لا تزال تعيش في ظل القبيلة ، لكن هذا الصحفي انفجر غضبا حينما ذكرت قبيلته بالإسم وقال:

هذه أمور يجب ألا تناقش القبيلة سند للدولة تساعدها في كثير من النواحي و أنا لن  أستمر جالسا في مجالس تخوض في هذه الأمور التي تعتبر

 خط أحمر بالنسبة لي

لم يبد ذلك الأمر مشجعا من صحفي شاب ينبغي أن يكون أول من يثور على القيود الإجتماعية البائدة والمخيف أن أمثاله كثر للغاية ، يعني أنهم يحملون صفة ” صحفي” . مواقف أخرى كثيرة مشابهة حدثت، فحين الحديث عن المساواة بين الجنسين يبرز لك صحفيين شباب تحسبهم لمواقفهم من مخلفات العصور الوسطى، أما أن تتحدث عن الدور السلبي الذي يقوم به علماء السلطان فأنت تلقي بنفسك إلى التهلكة دون شك. يعزي الكثيرون – أنا منهم –  هذه المواقف الغريبة إلى ميوعة الحقل الإعلامي الذي صار يعج بالكثير ممن يسيئون للصحافة نفسها، فلا يُستغرب أن تسمع عن صحيفة فلان من القبيلة الفلانية وموقع علان  أو صحيفة الأسرة كذا أو القبيلة كذا، ببساطة فقد كل شيء جوهره وبقيت القشور فقط في مشهد ينم عن بؤس لا محدود.

4 thoughts on “عقلية رجعية لصحفي شاب

  1. شكرا لكم. التدوينة تطرح مشكلة مهمة: العقلية الرجعية و سبيل محاربتها. في أي مجتمع متخلف، أؤمن شخصيا بأن سبب تخلفه يرجع إلى العقلية الرجعية و محاولة إجبار كل الناس على اتباع هذه العقلية. نحن في القرن 21 و يجب ان يكون هناك تعدد للآراء، لا وجود للحقيقة المطلقة و كل آراءنا نسبية تقبل الصح و تقبل الخطأ. أدرك كيف هي الأحوال في موريتانيا لكن لدي سؤال: كيف يتم انتاج صحفيين كهؤلاء؟ يعني من هو المسؤول عن هذه العقليات الرجعية في موريتانيا؟

    1. شكرا لك على التعليق
      نعم هي مشكلة مهمة ومعقدة و تتداقع عناصر كثيرة لتنتج هذا الواقع الذي حاولت تبيانه في التدوينة، ليس هناك خلاف على احترام الآراء المخالفة بل و تقديرها ما دامت تصب في المصلحة العامة، أي بالمختصر ما لم تكن هدامة، وللإجابة على سؤالك الأول عن كيفية إنتاج هكذا صحفيين فهو بسيط جدا، فنحن لا نتوفر على كلية إعلام تستطيع تخريج متخصصين وهناك جزئية نسيت الإشارة إليها في التدوينة وهي أن جل العاملين في الحقل الإعلامي المحلي لا يتوفرون على أي شهادة إعلامية، فقط اقتحموا هذا المجال وبدأوا الإساءة إليه، أما النصف الثانة من الإجابة على نفس السؤال فيكمن في الفوضى وغياب الرادع القانوني وعدم تنظيم الحقل الإعلامي فأصبح كل من هب ودب يصف نفسه بالصحفي كما أن كل نافذ يستطيع تمويل مجموعة من أقاربه وفتح صحيفة أو موقع ألكتروني. أما المسؤولية فهي تقع بطيعة الحال على النظام العسكري الحاكم الذي من مصلحته عدم تنظيم المجال وتركه مائعا هكذا لأنني كما أشرت آنفا للمتنفذين فيه أذرعهم المخصصة للدفاع في حالة أي خطر يتهددهم، و آخر مثال على ذلك قبل فترة قصيرة جدا حينما تعرض إبن الجنرال الحاكم لضرب نار فسارعت المواقع الألكترونية الكثيرة المحسوبة على النظام ورجالاته لتمييع الخبر واعتباره حادث عرضي في حين المعلومة الصحيحة هي أنه تعرض للضرب بالرصاص من صديقه في شجار على فتاة، ونفس الشيء حدث لما تعرض والده لرصاصة في المعدة.
      آسف جدا على الإطالة ولكنه موضوع متشعب وطويل

      1. العفو 🙂 كونها مشكلة معقدة يجبرنا على تحليلها بدقة. بالنسبة لي، لأي شخص الحق في التعبير عن رأيه مادام لم يكن يدعو للعنف أو يحرض على أمور يمنعها القانون الدولي. أرى أن من الواجب في موريتانيا القيام بتنظيم هذا المجال لكي يصبح مقننا في إطار القوانين الدولية. مهنة الإعلام مهنة حساسة و الإعلامي هو السلطة الرابعة كما تعلم لذلك ترك المجال مفتوحا لبعض الجهلة و الرجعيين و المتطرفين ينذر و يؤدي إلى أمور خطيرة للغاية على الأمن العام. الحكم العسكري لطالما كان حكم جبروت و ظلم، و موريتانيا مثال على ذلك، و رجال الدين إن انحازوا إلى صف السلطة العسكرية فقل وداعا للشعب و مستقبل البلد! لماذا لم يتحدث رجال الدين عن شجار ابن الجنرال من أجل فتاة؟ أم أنهم يحرمون هذه الامور فقط على الشعب و السلطة لها الحق في أن تفعل كل شيء! خذها من عندي كوني أنتمي لوطن عاش ويلات حرب تسبب فيها النظام و رجال الدين: إن رأيت عالم دين يمجد السلطان و يمدح الدولة فاعلم أن هذا العالم خطر على الأمة و الشعب و يجب منعه من تلويث فكر الشباب. أتمنى للشعب الموريتاني أن يتحرر من القيود التي هو فيها و بلغ سلامي لموريتانيا الحبيبة 🙂

        1. يوصل سلامك صديقي

          معك حق 🙂 ، احترام الرأي الآخر أمر لابد منه
          تماما نحن بحاجة لإصلاح هذا المجال، لكن حقيقة لا حياة لمن تنادي، رجال الدين و متنفذي السلطة والمفسدين، كل أولائك لا هم لهم إلا شحت هذا الشعب الفقير، يا ريت ابن الجنرال تشاجر على فتاة فقط! هو ضرب فتاة قبل سنتين حتى أصيبت بالشلل ولم يبت في السجن ليلة واحدة وقبل حوالي شهر ضرب في الفخذ بالرصاص أيضا ، هو نظام فاسد وعلمائه يشرعنون له كل أعماله، تصور أنهم سموه ( رئيس الإسلام ) 🙂 ، جنبكم الله أمثال ما ابتلانا به.
          تحياتي لك أخي وللشعب الجزائري

اترك رداً على housseinoumar إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *